الاثنين، 22 سبتمبر 2008

المسيح في القرآن ( 1 )
أبدى القرآن الكريم اهتماما بالغاً بشأن نبي الله عيسى عليه السلام ، فابتدأ سرد قصته بذكر ولادة أمه، ونشأتها نشأة الطهر والعفاف والعبادة والتبتل، ثم ذكر إكرام الله تعالى لها بأن رزقها غلاما دون أب، حيث أرسل لها جبريل - عليه السلام – ليبشرها به، ولينفخ فيها فتحمل بعيسى عليه السلام ، ثم ذكر رعاية الله لها أثناء حملها ، ورعايته لها أثناء ولادتها به ، ثم حديثها مع بني إسرائيل واستنكارهم الولد، وكلام عيسى في المهد تبرئة لأمه مما قذفها به اليهود ، وغير ذلك من أحداث .
كل هذا الاهتمام القرآني جاء ليبين ضلال من ضل في عيسى عليه السلام سواء ممن كفر به ورماه بأفحش السب وأقذعه، أو من آمن به وغلا في الإيمان به حتى رفعه إلى مقام الألوهية والربوبية فجعله إلها مع الله سبحان الله وتعالى عما يشركون .
وجاء هذا الاهتمام القرآني كذلك ليبين حقيقة دعوة عيسى عليه السلام بما يدحض مزاعم الكافرين به والغالين فيه فجاء بيانه غاية في الوضوح والجلاء ، فلم يدع شبهة إلا أزالها ، ولا حقيقة إلا أبانها ، ولنأت على ذكر ذلك بشيء من التفصيل :

الميلاد المعجزة
أوضح القرآن الكريم كيفية حمل مريم بعيسى عليه السلام ، قال سبحانه في بيان ذلك : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً }( مريم:16- 19) ، وأوضح في آية أخرى أن جبريل عليه السلام نفخ في مريم فكان الحمل بإذن الله ، قال تعالى :{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }(التحريم:12) .


المسيح يحيى حياة البشر
بعد ولادة عيسى عليه السلام ، عاش حياة طبيعية جدا ، يأكل مما يأكل البشر ، ويشرب مما يشربون ، ويذهب لقضاء حاجته ، إلى غير ذلك مما تقتضيه الطبيعة البشرية ، وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة ، في إشارة للرد على النصارى الذين ادعوا ألوهيته – عليه السلام - ذلك أن أخص وصف للإله الغنى المطلق ، ومن يحتاج إلى الطعام والشراب لإقامة صلبه ، كيف يوصف بالألوهية ، قال تعالى مبينا هذه الحقيقة :{ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }(المائدة:75)

إزالة الإشكال في ولادة عيسى عليه السلام من غير أب
استغل اليهود ولادة المسيح - عليه السلام - من غير أب ليطعنوا في نبوته إذ اتهموا أمه بأبشع وصف، والأمر أضعف من ذلك ، فإن من الأنبياء من أقرَّ الكل بنبوته بمن فيهم اليهود أنفسهم ، ووجوده أبعد في العادة البشرية وأكثر إعجازا من وجود عيسى - عليه السلام - إنه آدم - عليه السلام – حيث خلق من غير أب ولا أم ، فمن آمن بآدم لزمه ضرورة أن يؤمن بعيسى، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }(آل عمران:59) .

بيان رسالة المسيح عليه السلام
لم يفتأ القرآن الكريم يُذكِّر بحقيقة عيسى - عليه السلام - وحقيقة دعوته ، وأنه ما هو إلا رسول من عند الله بعثه لتبليغ دينه ، وإعلاء شريعته ، فمرة يذكر هذه الحقيقة بصيغة الحصر ، كقوله تعالى :{ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }(المائدة:75) ، وتارة يذكر المسيح في معرض ذكره للرسل الكرام عليهم السلام ، على اعتبار أنهم إخوانه وهو واحد منهم ، كقوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً }(النساء:163) وغيرها من الآيات التي تدل دلالة قاطعة على أن عيسى عليه السلام ما هو إلا رسول من عند الله عز وجل .

هذا بعض حديث القرآن عن نبي الله عيسى الذي ضل فيه اليهود والنصارى على السواء واهتدى أهل الإسلام لحقيقته وحقيقة دعوته ، وسوف نكمل الحديث عنه في مقالات لاحقة ، نسأل المولى عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

ليست هناك تعليقات: